اسير برائتها بقلم نادية الشرقاوي
اراك بعد.. فماذا إن رأيتك !!
أخرجها من تفكيرها صوت الفوضي الحاډث في المشفي ... هرولت متجهة إلي مصدر الصوت لتجد رجل تعدي الستين من عمره غارق في دمائه و جسده الهزيل ممتلئ بالچروح العميقة
هرولت نحو الطاقم الطبي و هي تهتف
دخلوه علي العمليات بسرعة ..
منذ ثلاثة عشر عاما
هبطت من منزلها و سارت بشوارع ألمانيا.. فرغم أنها ابنة رجل الأعمال المشهور زين سويلم إلا أن نصائح والدها دائما لها هي ان تعتمد علي حالها و ليس علي ثروته و أن تشعر بمعاناة الآخرين فليس لأنها تدرس بألمانيا فهذا يعني أن تتعالي علي الخلق و احاديث كثيرة من هذا القبيل قد حفظتها
وقفت أمام المحطة الخاص بالحافلات .. لم تمر دقيقتين حتي استقلت الحافلة و جلست
بعدها بدقائق وجدت رجل يبدو أنه في الثلاثين من عمره طويل البنية عريض المنكبين .. عيناه
عسليتان
جلس بجانبها ظلت هي تنظر له ليس إعجابا به بل لأنها تشعر أنه عربي مثلها
ايوة
قالها و نظر إلي الاوراق التي كانت في يده مرة أخري بعجرفة رفعت حاجبها بدهشة و قالت
آسفة لو ضايقتك .. بس كان مجرد سؤال !!
تنهد بضيق و قال
مضيقتنيش و لا حاجة بس ممكن بلاش تتكلمي معايا دلوقتي لأني مشغول !
عضت علي شفتها بخجل من إحراجه لها و أدمعت عيناها و نظرت امامها
مرة أخري
عاود ليتابع عمله مرة أخري و قد لاحظ صمتها و لكنه تجاهل وجودها بجانبه ..
نهضت و تفاجأت أنه نهض معها لكن ليس من شأنها أن تسأله .. فلا تريد إحراج حالها أكثر من ذلك
سارت
حتي نزلت من الحافلةو بعد فترة من أستكشافها للجامعة دخلت نحو المدرج الخاص بها
لاحظت كثير من الطلاب ذات جنسيات مختلفة
كانت أجتماعية بعادتها .. بدأت تتعارف عليهم و قد سهل عليها هذا إتقانها للغة الإنجليزية و الألمانية
فغرت فاهها و هي تقول بحالها
يا نهار اسود .. دة الدكتور !!
بدأ بإلقاء المحاضرة و هي شاردة تماما بعواقب هذا الموقف الذي جمع بينهما بالحافلة إن علم أنها تلميذته
صوت دقاته ليلفت أنتباهها زامن صوت الدقات علي باب مكتبها لتعود مرة أخري إلي واقعها و هي تقول
ادخل
نور هانم بنفسها عندنا حصلنا الشرف !!
علي فكرة مش جاية عشانك..
دة أنتي مصممة بقا !!
هتفت بها ليلي و هي ترفع حاجبها بدهشة لتردف نور
ليلي انا داخلة علي سنة و نص مش بشوفها وحشتني جدا عشان خاطري خليني اشوفها
خرجا معا و استقلا المصعد و صعدا نحو الطابق الثالث و اتجها نحو غرفة يجلس امامها حارس مخصوص بخلاف جميع الغرف
أزيك يا عم صلاح عامل اية
الحمد لله يا دكتور ليلي بخير
طيب أنا هدخل و مش هطول لأني عايزة أخرج اتكلم معاك
أتفضلي يا دكتور
مدت نور يدها لتفتح الباب الخاص بالغرفة نظرت إلي تلك الحجرة ذات اللون البنفسجي و الرسومات الكارتونية علي جدر هذه الغرفة
التي في زاوية منها تكمن طفلة يبدو أنها لم تتعد الخامسة من عمرها ذات شعر بني قصير و عينين عسليتان
صباح النور يا هند !
قالتها نور و هي تجلس أمامعا بحذر لترفع الطفلة عينيها نحوها و تبتسم
رفعت ليلي حاجبها باندهاش فكم حاولت مع هذه الصغيرة لكي تجعلها حتي تنظر لها و لم تستجب !!
عاملة اية !
اعطت هند الدفتر الذي ترسم به ل نور و هي تنظر ل ليلي بسخط و كأنها الساحرة الشريرة لتهز ليلي رأسها باستغراب و هي تقول موجهة حديثها ل نور
التفتت نحو تلك الحارس الذي يجلس علي الكرسي مترقب حديثها و قالت
طمني يا عم صلاح هند عاملة اية !
بصراحة يا دكتور ليلي هي مش بترضي تتكلم مع أي حد و لا تشوف
أي حد .. حتي الأكل لما بندخلهولها ممكن تسيبه زي ما هو باليومين و متقربش منه و متأكلش إلا لما نغصب عليها و ټعيط عياط يقطع القلب
تنهدت ليلي بحزن ليردف صلاح قائلا لها
شوفي يا دكتور أنا هنصحك نصيحة لأني بعتبرك زي بنتي انا معرفش أية صلتك بالبنت دي بس اللي اعرفه
نظرت له ليلي مطولا و هي تفكر بحديثه لتجد باب الغرفة يفتح و تخرج منه نور مبتسمة بشدة و هي تقول
يلا يا ليلي !!
يلا علي فين !
علي مكتبك هتكلم معاكي شوية و همشي عشان عندي مشاوير كتير النهاردة
طيب يلا
دخلت إلي غرفتها پغضب و جلست علي فراشها بوجه محتقن و قالت
عاجبك اللي ماما عملته دة يا هنا !!
يا سلام يعني كل دة عشان قولت نأجل الفرح !!
فاطمة أنتي ممكن تلفي و تدوري علي اي حد إلا انا أنا واثقة تماما أن انتي طلبتي تاجلي الفرح عشان حاجة معينة في دمااغك !!
حاجة .. حاجة اية يعني !
قالتها فاطمة بتوتر لتنظر لها هنا بنظرة متفحصة و تقول
مش ناوية علي حاجة يا هنا .. مش هيبقي انتي و ماما عليا ارحموني !!
في هذه اللحظة فتح الباب لتدلف منه والدتهما پغضب و تقول
أنتي أمتي بقي هتبطلي تبقي عديمة الزوق كدة سيبتيني انا و الست و احنا قاعدين و قومتي و معملتيش احترام لحد !!
عشان أنتي هزقتيني بما فيه الكفاية يا ماما و انا مش عيلة صغيرة .. أعمل اللي انا عيزاه اتجوز بقي او افسخ خطوبتي الموضوع دة يخصني بس !!!
لا .. لا يا فاطمة الموضوع مايخصكيش لوحدك الفرح هيتعمل في معاده و رجلك فوق رقبتك .. انا مش هعيشلك طول العمر
اهدي يا ماما
بس علشان متتعبيش !
قالتها هنا محاولة تهدئة والدتها لتردف مرفت
فهميها أن أحمد جاي بكرة و هي هتقعد معاه و تعتذرله كمان و مفيش خطوبة هتتفسخ و تجهز نفسها خلاص فرحها فاضله أقل من شهر و لو اللي انا بقوله فيه حاجة منه ما أتنفذتش مش هيحصل
طيب
انهت مرفت حديثها و اتجهت للخارج لتجلس فاطمة و هي تدبدب بقدميها و تقول
دي كمان عيزاني أعتذرله يعني يبقي غلطان في حقي و اعتذرله !
ل يا فاطمة بالأمانة انتي اللي غلطانة و مش راضية تعترفي بغلطك هدي اللعب بقي عشان صحة ماما مش مستحمله .. و بعدين مش انتي بتحبي أحمد !
و الله بحبه
خلاص يبقي اية المشكلة ان الفرح يتعمل في معاده أهدي بقي و متتخانقيش مع ماما تاني و يا ستي لو علي أنك لسة ما تأقلمتيش علي الجواز و المسئولية فأنتي قدامك شهر أعملي فيه اللي انتي عيزاه ..
خلاص يا هنا .. أنتي نازلة و لا اية !!
اه نازلة ..
رايحة فيه !
ميخصكيش .. و يالا بقي عشان متأخرش أكتر من كدة
كان يزرع غرفة مكتبه ذهابا و إيابا ممسكا بهاتفه المحمول ينظر له كل دقيقة حتي رن هاتفه باسم والدته وضعه علي أذنه مباشرة و قال
ها طمنيني يا ماما .. عملتي اية !!
مش تقولي طيب مساء الخير و لا سلام عليكم ..
آسف يا أمي انتي عارفة انا قاعد علي أعصابي .. بس طمنيني عملتي اية !
لما تيجي علي الغدا هحكيلك
بقي كدة يا ماما بتلوي دراعي عشان آجي اتغدي معاكي .. علي العموم ماشي ساعة و هكون عندك
ضحكت زهرة و قالت
متتأخرش مستنياك
حاضر سلام
لا
تعلم إذا كان
ما ستفعله صحيح أم لا.. و لكن يجب عليها أن تصحح له ما رآه بعينه .. يجب أن يعلم حقيقة الأمر حتي لا يشك أنها نقضت عهدها معه
وقفت بسيارتها أمام بناية فاخرة بحي المعادي ..
صعدت نحو شقة بالدور الارضي و وقفت امام بابها و دقت الجرس
مرة تلو الأخري و ليس من مجيب .. خرجت نحو حارس البناية وقالت
هي مش دي شقة الدكتور يوسف الدالي !!
أه هي دي يا آنسة .. بس هو مش موجود دلوقتي تحبي أبلغه حاجة لما يجي
توجهت نحو سيارتها و أمسكت بالهاتف و هي تحاول الاتصال به و لكن كعادته في الآونة الأخيرة لا يجيب عليها !!
زفرت بضيق و هي تلقي الهاتف پعنف علي الكرسي و تسمح لدموعها بالهطول ..
كم أشتاقت إليه
نظرت إلي شقيقتها الجالسة أمامها و هي تقطب حاجبيها و تقول بضيق
فطبيعي مش هتتقبل كلام منك و لا انتي و لا الممرضات اللي بيأدوا وظيفتهم بس متنسيش ان دي طفلة يعني
هزت ليلي راسها بالنفي لتبتسم نور و هي تنهض و تقول
انا مش هتكلم أكتر من كدة انا هسيبك انتي تفكري في الكلام بس مش هطلب منك غير انك تخليني ازورها كل أسبوعين حتي يمكن اكون سبب في ان حالتها تتحسن
ماشي يا نور .. بس مش محتاجة افكرك ان محدش يعرف حاجة عن زياراتك دي ..
متقلقيش أنا لازم امشي دلوقتي عشان اتأخرت
تمام لما آجي بالليل هعرف انتي روحتي فين
طيب يلا سلام
سلام
كان عائدا من العمل و هو منهك تماما لا يعلم لم لا يجيب عليها ليريح حاله و يريحها !!
دخل إلي بنايته ليجد الحارس يقف و هو يلقي التحية عليه و يقول
في واحدة حت سألت علي حضرتك النهاردة يا دكتور يوسف
واحدة !! طيب ما قلتش اسمها اية !
يعني هي قصيرة شوية و شعرها طويل و بني و رفيعة و ...
طيب خلاص .. اتفضل أنت
دلف نحو شقته و ارتمي بجسده علي الأريكة و هو يعلم تماما ان من اتت له هي هنا
سمع صوت هاتفه يعلن عن استقبال رسالة ليمسك به و يقرأ رسالة محتواها
يوسف انت ممكن تكون شايفني خاېنة و منفذتش وعدي ليك بس انت لازم تفهم قبل ما تحكم عليا عشان انا و الله ماحبتش حد قد ما حبيتك .. و حياتي عندك رد عليا و افهمني
تنهد بضيق و كتب
وقفت بسيارتها أمام فيلا مكتوب عليها فيلا الدكتور محسن عدلي
صفت سيارتها جانبا و وقفت أمام البوابة و
هي تدق جرسها ليخرج الحارس مهرولا و هو ينظر لها غير مصدقا و هو يقول
نور هاانم .. يا الف نهار ابيض !!
ابتسمت برقة و قالت
اهلا يا عم سمير ..
بخير .. ازيك انتي يا هانم
قالها الحارس بسرور و هو يفتح تلك البوابة الضخمة و يشير بيده لها للداخل لتدلف نور
و هي تقول
هو دكتور محسن مش موجود !
لا مو..
لم يستطع ان يكمل جملته لتخرج سيدة يبدو انها في بداية الثلاثينات من عمرها. ذات طول فارع شعر عسلي طويل إلي حد ما
و قالت
في حاجة يا سمير .. مين دي !
زفر الحارس بضيق و هو يقول بسره
سلام