ضرورب العشق بقلم ندى محمود
في المكتب وباجي أقعد هنا وأحيانا برجع البيت بعد الفجر بكون ماخد الليل كله هنا ولما بيأذن الفجر بروح اصلي في الجامع وبعدين برجع البيت ومش عايز أصدمك وأقولك إني قريت الكتب دي كلها أكتر من تلات مرات يعني حافظها
اتسع بؤبؤ عيناها بذهول ولكنها ابتسمت بإعجاب وتوجهت نحو الأريكة الصغيرة وجلست عليها هاتفة بتساءل وجدية
أصدر تنهيدة حارة ثم اقترب وجلس بجوارها مجيبا بهدوء
لا بالعكس أنا كنت بفضل الوقت اللي باخده هنا وأغلب الساعات اللي بقعدها هنا مش
بكون بقرأ الكتب لا بستغل الوقت لإن زي ما قولتي إنا مش بحب أقصر في حق ربنا عليا وكنت دايما بقرأ القرآن أو بسبح وبقول أذكار يعني أغلب الوقت اللي بقضيه هنا بيكون للعبادة وفي نفس الوقت بخصص وقت محدد للكتب بس عشر
ذلك الرجل كلما تتحدث معه تنكشف شيء في شخصيته يجعلها تتمسك به ويثبت العكس لعقلها الذي ېصرخ بها باستمرار أنها أخطأت حين سمحت لهذه العلاقة بالاستمرار وفي كل مرة يعلو شأنه لديها ويكبر
عادت لواقعها واستندت بذراعها على حافة الأريكة المرتفعة وكفها مكانه على وجنتها قائلة وهي متشبعة بحرارة الحديث معه محاولة التصرف بطبيعية وإقناع عقلها وقلبها بأنها تحبه !!
ضحك لطريقتها الجديدة في التحدث وتشدق مؤكدا ما قالته
أكيد أهو ده بقى بذات أنا حافظه زي اسمي بظبط من كتر ما قريته كذا مرة
عم الصمت بينهم للحظات وهي تعود وتعلق نظرها على الكتب لتسمع صوته المترقب والرخيم يقول
منتظمة في الصلاة ياملاذ
مش أوي أحيانا بقطع وحاولت كذا مرة انتظم بس باخد فترة زي شهرين أو أكتر وبرجع أقطع تاني ومش عارفة أعمل إيه !
أخذت نفسا عميقا ثم أخرجه زفيرا متمهلا وهتف برفق به شيء من الحزم
غالبا ده بيبقى بسبب إن إنتي متعودتيش على الصلاة من صغرك فبتلاقي صعوبة في الالتزام لكن أكتر حاجة تخلي قلبك يجري على الصلاة جرى إن الله سبحانه وتعالى بينادي عليكي ويقولك يلا تعالي حي على الصلاة يعني يلا جري على الصلاة الفلاح اللي هو فلاح الدنيا والآخرة ووقت ما تسمعي حي على الفلاح دي تجري على الصلاة فهل يصح أو يحق أو يجوز إن الله عز وجل بينادي عليكي ومتروحلوش وعايزة تعرفي تعملي إيه تسيبي اللي في إيدك أول ما تسمعي الآذان وتقومي فورا تتوضى وتصلي سواء إي كانت الحاجة اللي بتعمليها مش هتكون أهم من لقاء ربنا والصلاة ومتقوليش لا خمس دقايق هخلص اللي بعمله واروح اصلى لا في لحظتها علطول فمينفعش إن ربنا سبحانه وتعالى يكون بينادي علينا واحنا ننشغل عنه بأي عرض من أعراض الدنيا دي دنيا يعني زايلة وحاجة ملناش دعوة بيها فحي على الصلاة دي يعني يلا على فلاح قلبك يلا على صلاحك يلا على الرزق وعلى الخير والبركة والهداية وعشان لما تطلبي حاجة من ربك يعطيهالك فمينفعش تكوني إنتي مش بتصلي وتقولي اعطيني يارب واديني ومعرفش إيه ده من عظم ومكانة الصلاة إنها مفرضتش في الأرض لا ده سيدنا جبريل طلع بالرسول صلى عليه وسلم فوق وفرضت فوق لقدسية وعلو مكانة الصلاة فإنتي خلي ضميرك يأنبك دايما وافتكري الكلام ده وأنا هعينك واشجعك متقلقيش أنا معنديش تهاون في النقطة
كانت تستمع لحديثه وهي تعاني في تفاصيله وتحملق به بشرود كيف له أن يكون بكل هذا الحسن واللطف ماذا فعلت هي ليرزقها الله بزوج مثله حتى وإن كانت لا تحبه .. ولكنها الآن فقط أدركت هذا الزين لا يمكن أن يرفض وستكون أحمق النساء إن ضيعته من بين يديها وستحاول جاهدة أن تحبه وهي متأكة بأنها لن تعاني كثيرا في محاولات عشقه فبالفعل هي بدأت تعجب بشخصيته الفريدة ! .
همست في صوت رقيق ونظرة ممتنة لاهتمامه ولكل نصائحه التي ستعمل بها بالتأكيد
حاضر متقلقش مش هقولك كدا واوعدك إن شاء الله هنتظم
وحاجة تاني كمان معنديش تهاون فيها المكياج .. الروج ده في بيتك ولجوزك بس أنا محبتش اتكلم لما شوفتك بيه في الفرح وسكت عشان أول مرة بس مش عاوز اشوفه تاني اولا حرام ولما اسمحلك
جيبي كل أشكال وألوان المكياج اللي تحبيها بس تحطيها ليا أنا بس وفي بيتك ومفيش مانع لو حطيتي حاجة بسيطة في الفرح بما إنه هيكون منفصل والرجالة وحدهم والستات وحدهم وبعدين إنتي حلوة وحدك ياحبيبتي مش محتاجة تحطي الحجات دي عشان تحلوي اكتر !
خاڤت قليلا من نبرته ونظرته العجيبة وتأكدت بأنه لا ېكذب حين قال إن غيرته سيئة فمن الواضح أنه يشتعل من الغيرة ويحاول تمالك أعصابه أمامها سحبت من يده المنديل بهدوء
وأكملت مسحه هي دون أن تجيبه فقط ټخطف إليه نظرات مرتعدة بعد أن أتضح لها أنه لديه ڠضب مدمر وهي بالطبع لا تريد رؤيته في يوم من الأيام على الأقل إلى حين تتمكن من حبه كان يتابعها بصمت حتى انتهت والقت المنديل في صندوق القمامة الصغير بجانب الأريكة ونظرت لها متمتمة في توتر واضح
يلا نرجع الفرح عشان منتأخرش عليهم
أماء لها بالموافقة ثم هب واقفا وسبقته هي للخارج فأغلق الضوء المړيض الذي يحاول تخريب كل شيء جميل وحين افاقت وجدت نفسها أمام السيارة ويفتح لها الباب فاستقلت بها ثم التف هو وأخذ مكانه المخصص للقيادة بجوارها !! .....
اقترب الحفل من نهايته وقد قاربت الساعة على الحادية عشر ...
لم تتحرك من على الطاولة
بجوار هدى وكانت عيناها معلقة عليه تتابعه وهو يقف مع رجل خمسيني ويتحدث معه بجدية تامة وملامح وجهه حازمة بشدة ولكن لا يهمها كل هذا هي مكتفية بالنظر إليه فقط وتأمله .. كم يبدو اليوم جذابا وكله وقار وشموخ بملابسه التي تزيده فخامة .. حيث كان يرتدي بنطال من اللون الأسود يعلوه قميص أبيض اللون وفوقهم سترته الجليدية الطويلة من إحدى درجات اللون البني الكافيه ويضعها على كتفيه دون أن يغلغل ذراعيه داخل الأذرع الخاصة بالسترة مما أعطته لمسة رجولية مذهلة كان عقلها ېصرخ بها محاولا إيقاظها من أحلامها الوهمية التي لا صحة لها في الواقع ولن تجلب لها سوى المتاعب هذا الرجل هو آخر رجل في الكون قد يكون من نصيبها أو أن تحظى بعشقه لها لهذا يجب عليها التوقف عن عشقه قبل أن تكون سببا في دمار نفسيا لها !! .
حاولت
إزاحة نظرها عنه ولكنها لا تستطيع وفجأة وجدته يلتفت برأسه ناحية طاولتهم بحركة عفوية منه فوقعت عيناه على التي تتأمله بهيام لتشهق هي بزعر وتشيح بوجهها بعيدا مغمغمة لنفسها في اغتياظ منها
شافني .. شافني غبية .. أنا غبية !!
أخذت ټخطف إليه نظرات خلسة تتأكد هل ما زال ينظر ناحيتها أم لا فوجدته عاد يكمل حديثه مع هذا الرجل لتتنفس بارتياح وهي تقسم بأنها لن تنظر له مجددا أبدا إلى حين رحيلها الذي لابد أن يكون الآن قبل أن تقع في موقف أكثر إحراجا انضمت لها رفيف وهي تهتف باسمة
هاا إيه رأيك أنا اعتقد إنك فكيتي شوية
نظرت لها وتمتمت برقة
آهاا فعلا طلعت شوية من الطاقة السلبية اللي جوايا ميرسى يارفيف جدا إنك فكرتي فيا وجبتيني
نقلت رفيف نظرها لأخيها وهتفت في صوت منخفض بأذنها به شيء من الخبث ويحمل تلميحات فهمتها جيدا
بس دي مش فكرتي !! يعني الشخص اللي المفروض تشكريه مش أنا !
نظرت بدورها إلى مكان استقرار نظراتها ثم عادت لها وقالت بإحراج امتزج پخنقها البسيط
ممكن تبطلي تلمحياتك دي عشان أنا فهماكي كرم زي سيف الله يرحمه بالنسبالي يعني اخويا
رفعت حاجبها باستنكار على كذبها الساذج وأصدرت ضحكة مرتفعة ثم عادت تهمس في أذنها بنبرة أكثر لؤما
لا والله وهو أخوكي برضوا هتفضلي تتأملي فيه ومتشليش عينك من عليه إنتي مفضوحة أوي على فكرة !
ضمت عيناها بتوتر واضطراب وفورا تخلت عن محاولاتها الفاشلة لإقناعها بأنها ليست معجبة به وقالت بعفوية واضطراب
بجد !! يعني ممكن يكون لاحظ أو حس !
قالت مندهشة وهي تضحك بتلقائية
كرم مين ده اللي يلاحظ !! عارفة
لو كان حسن أو زين كنت أقولك كانوا زمانهم كشفوكي مش زمان عشان دول مش ساهلين لكن كرم ده خايب اراهنك إن كان شك للحظة أصلا انتي احمدي ربك إنه بيتكلم معاكي طبيعي من غير ما يتوتر دي معجزة في حد ذاتها .. بس تعرفي أنا عذراكي إنتي عندك حق هو اخويا يتحب فعلا
رمقتها شزرا باغتياظ وغمغمت محاولة إخفاء خجلها
أنا عايزة امشي الوقت اتأخر !
حاضر هروح اندهولك
قالتها بمشاكسة وهي تهم بالقيام ولكنها قبضت على ذراعها هاتفة بصرامة
لا متروحيش مش عاوزاه يوصلني أنا همشي وحدي
تركت رفيف مزاحها جانبا وأجابتها بقوة جادة
أولا مش هيرضى يسيبك تمشي وحدك ثانيا الساعة 11 يعني الوقت متأخر
هل لا تهتم بكل هذا فقط لا تريد أن تكون معه فقربها منه يبعثرها ويشتت ذهنها ويزيد من ترسيخه في قلبها وهي ترفض شعور استسلامها له على الرغم ما أنها تعرف أن هذا العشق لن يجدي بنفع عليها ولكنها تركتها تذهب لتخبره واستقامت فورا تتسلل إلى الخارج دون أن يروها محاولة الهرب منه وأن تستقل بأي سيارة أجرة قبل أن يأتي خلفها ولكنها تسمرت واقفة في نصف الردهة الطويلة والحمراء المؤدية للشارع الرئيسي حين سمعت صوته المرتفع نسيبا ينده عليها
شفق !!!
فتأففت بيأس وأخذت نفسا عميقا لتحبسه لثانية في صدرها وتخرجه زفيرا متمهلا وتجاهد في لملمة قلبها الذي تبعثر بمجرد سماعها لصوته وأخيرا التفتت له مغلوبة على أمرها
لتجده أمامها مباشرة ويردف متساءلا
رايحة فين
رسمت ابتسامة مزيفة وخلفها كانت تخفي قناع هزيمتها للمرة الألف في الفرار منه فيخرج صوتها رقيقا كهيئتها الضئيلة والصغيرة
مش رايحة مكان